الأحد، 20 مارس 2016

مفهوم الثقافة

ـ مفهوم الثقافة:
الثقافة هي طريقة عيش مجتمع ما، سواء أكان ذلك المجتمع بدائيا أو متخلفا أو ناميا أو متقدما. و الثقافة من صنع الإنسان. فقدرته على إنتاج الثقافة هي أهم خاصية تميز الإنسان عن باقي الحيوانات جميعا.
لقد وضعت تعريفات كثيرة للثقافة، و تختلف هذه التعريفات في ألفاظها و في صياغتها، و لكنها تتفق كلها في النهاية مع التعريف الكلاسيكي البسيط الذي وضعه "تايلور taylor" حيث يقول:" الحضارة أو الثقافة بمعناها الأنتروبولوجي الواسع هي ذلك المركب الذي يشمل المعرفة و العقائد و الفن و الأخلاق و القانون و العرف و كل القدرات و العادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع".
و الخاصية الأولى من خصائص الثقافة كما يظهر من هذا التعريف هو تمايزها و استقلالها عن الأفراد الذين يحملونها و يمارسونها في حياتهم اليومية. و المقصود بذلك أن عناصر الثقافة أمور يكتسبها الإنسان بالتعلم من المجتمع الذي يعيش فيه على اعتبار أنها الإرث الاجتماعي الذي يتراكم على مر العصور بحيث يتمثل في آخر الأمر في شكل التقاليد المتوارثة.
و حين يتكلم علماء الأنثروبولوجيا و الاجتماع عن ثقافة شعب من الشعوب فإنهم يقصدون طرائق المعيشة و أنماط الحياة و قواعد العرف و التقاليد و الفنون و التكنولوجيا السائدة في ذلك المجتمع و التي يكتسبها أعضاؤها و يلتزمون بها في سلوكهم و في حياتهم.
و الخاصية الثانية من خصائص الثقافة هي الاستمرار، و هي خاصية نابعة بالضرورة من تصور الثقافة على أنها التراث الاجتماعي الذي يرثه أعضاء المجتمع من الأجيال السابقة. فللسمات الثقافية قدرة هائلة على الانتقال عبر الزمن، بل إن كثيرا من هذه السمات التي تتمثل بوجه خاص في العادات و التقاليد و العقائد تحتفظ بكيانها لعدة أجيال لا لشيء إلا لأنها وجدت في وقت من الأوقات. 

فرض محروس / محور منطق الفلسفة

مستوى الجذع المشترك
فرض محروس / محور منطق الفلسفة

إقرأ النص وأجب عن الأسئلة:
« إذا رغبنا في التفرغ بجدية للفلسفة وللبحث عن كل الحقائق التي بإمكاننا معرفتها، علينا أن نتحرر أولا من أحكامنا المسبقة، ونرفض كل الآراء التي تلقيناها في السابق بالتصديق ما لم نخضعها للتمحيص. ثم نستعرض كل التصورات التي توجد فينا، ولا نقبل منها كتصورات حقيقية إلا تلك التي تبدو لعقلنا واضحة ومتميزة … وبعد أخذ الصفات بعين الاعتبار، يمكننا البحث عن حقيقة كل الأشياء بالبحث عن سببها … وبمقارنتها لما تعلمناه مع ما كنا نعتقده بصددها قبل أن نفحصها سنتعود على تكوين تصورات واضحة ومتميزة حول ما بإمكاننا معرفته ».
ديكارت: مبادئ الفلسفة.
  • · الأسئلة:
1- استخرج الفكرة الرئيسية للنص. ( 04 نقط )
2- حدد الدافع إلى التفلسف حسب النص. ( 04 نقط )
3- ما الهدف من فعل التفلسف حسب النص ؟ ( 04 نقط )
4- انطلاقا من النص ومما درسته: ما هي الأدوات التي
يستخدمها الفيلسوف أثناء ممارسته لفعل التفلسف ؟  (08 نقط)

الجمعة، 11 أكتوبر 2013

مفاهم مجزوءة الوضع البشري


* الشخص: Personne

* يقول كانط: « الشخص هو الذات التي يمكن ان ننسب إليها مسؤولية أفعالها ».
* يدل في اللغة العربية على الظهور والتعين. كما قد يطلق حسب “أندري لالاند” على الشخص الطبيعي من حيث هو جسم ومظهر، وعلى الشخص المعنوي من حيث هو ذات واعية، وعلى الشخص القانوني من حيث أن له حقوقا وواجبات.

* الهوية: Identité

* جاء في معجم جميل صليبا ما يلي:
- « تطلق الهوية على الشخص إذا ظل هذا الشخص ذاتا واحدة رغم التغيرات التي تطرأ عليه في مختلف أوقات وجوده، ومنه قولنا هوية الأنا… وتسمى هذه الهوية بالهوية الشخصية ».
- « قال الفارابي : ” هوية الشيء، وعينيته، وتشخصه، وخصوصيته، ووجوده المنفرد له، كل واحد “.
هكذا يدل مفهوم الهوية الشخصية على الخاصية أو الخصائص التي تجعل الشخص مطابقا لذاته فيكون هوهو، أو متميزا عن غيره. فالهوية هي إذن مبدأ وحدة واختلاف.

* الذاكرة: Mémoire

جاء في معجم جميل صليبا ما يلي:
« الذاكرة هي القدرة على إحياء حالة شعورية مضت وانقضت مع العلم والتحقق أنها جزء من حياتنا الماضية… ويطلق لفظ الذاكرة على القوة التي تدرك بقاء ماضي الكائن الحي في حاضره ».

* الإرادة: Volonté

نجد في معجم جميل صليبا المعاني التالية:
- « هي في الأصل طلب الشيء، أو شوق الفاعل إلى الفعل (ابن رشد)… ».
- « الإرادة هي نزوع النفس و ميلها إلى الفعل، بحيث يحملها عليه… ».
- « الإرادة هي القوة التي هي مبدأ النزوع، وتكون قبل الفعل… أما إرادة الحياة فهي عند شوبنهاور المبدأ الكلي للجهد الغريزي الذي يحقق به كل كائن مثال نوعه، ويناضل ضد الكائنات الأخرى لاستبقاء صورة الحياة الخاصة به ».

* القيمة: Valeur

جاء في معجم جميل صليبا ما يلي:
« القيمة تطلق على كل ما هو جدير باهتمام المرء وعنايته… وقيمة الشيء من الناحية الذاتية هي الصفة التي تجعل ذلك الشيء مطلوبا ومرغوبا فيه… ويطلق لفظ القيمة من الناحية الموضوعية على ما يتميز به الشيء من صفات تجعله مستحقا للتقدير ».

* الكرامة: Dignité

نجد في معجم جميل صليبا التحديد التالي:
« هي اتصاف الإنسان بما يليق به من الفضائل التي تجعله أهلا للاحترام في عين نفسه وعين غيره. ويطلق اصطلاح الكرامة الإنسانية على قيمة الإنسان من جهة ما هو ذو طبيعة عاقلة ».

* الواجب: Devoir

جاء في معجم جميل صليبا المعنى التالي:
« هو الإلزام الأخلاقي الذي يؤدي تركه إلى مفسدة. ويطلق على الأمر المطلق في فلسفة كانط، وهو الأمر الحازم الذي يتقيد المرء لذاته، دون النظر إلى ما ينطوي عليه من لذة أو منفعة ».

* الضرورة: Nécessité

جاء في معجم جميل صليبا ما يلي:
- « [الضرورة] اسم لما يتميز به الشيء من وجوب أو امتناع ».
- « الضروري في اصطلاحنا هو الأمر الدائم الوجود، أو الأمر الذي لا يمكن تصور عدمه، وهو مرادف للواجب، وضده الجائز ».
- « ويطلق لفظ الضروري أيضا على نتيجة القياس اللازمة عن مقدماته ».
- « الضروري في اللغة كل ما تمس الحاجة إليه، وكل ما ليس منه بد ».

* الحتمية: Déterminisme

جاء في معجم جميل صليبا ما يلي:
- « هي القول إن كل ظاهرة من ظواهر الطبيعة مقيدة بشروط توجب حدوثها اضطرارا … أو هي القول بوجود علاقات ضرورية ثابتة في الطبيعة توجب أن تكون كل ظاهرة من ظواهرها مشروطة بما يتقدمها أو يصحبها من الظواهر الأخرى ».
- « الحتمية بالمعنى الفلسفي مذهب من يرى أن جميع حوادث العالم، وبخاصة أفعال الإنسان، مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا محكما … ».

· الحرية: Liberté

نجد في معجم جميل صليبا المعنى التالي:
« الحرية خاصة الموجود الخالص من القيود، العامل بإرادته أو طبيعته… وإذا كانت الحرية مضادة للحتمية دلت على حرية الاختيار، وهي القول إن فعل الإنسان متولد من إرادته».
نكتفي بهذه المفاهيم، مع العلم أن هناك مفاهيم أخرى في الدرس يتوجب الاهتمام بها والبحث عن دلالاتها الفلسفية.

عوامل ظهور الفلسفة عند اليونان

لقد كان ظهور الفلسفة في بلاد اليونان إعلانا عن إحداث قطيعة في التفكير لدى الإغريق، حيث تم الإنتقال من الخطاب الشفوي الأسطوري إلى الخطاب الفلسفي المكتوب الذي يعتمد على الاستدلال العقلي وإنتاج الأفكار والمفاهيم العقلية المجردة. وقد كان للعامل السياسي دور كبير في بزوغ هذا الفكر الجديد حيث ظهرت الفلسفة في مناخ ديمقراطي عرفته المدينة الدولة، حيث سادت حرية التعبير وأصبحت كل القضايا مطروحة للنقاش الحر والعلني.

ويعتبر طاليس وأنكسمانس وأنكسمندر أقطاب المدرسة الأيونية التي ظهرت في مدينة ملطية في القرن 6 ق.م. وقد كانوا علماء يهتمون أساسا بالرياضيات والعلوم الطبيعية.غير أن هذا لم يمنع الكثير من الباحثين من نعتهم بالفلاسفة الطبيعيين نظرا لاهتمامهم بالطبيعة وأصل الكون. وقد شكلت أبحاثهم قطيعة مع الفكر الأسطوري الذي كان سائدا من قبل في بلاد اليونان، مما يجعلهم يمثلون الإرهاصات الأولى للفكر الفلسفي في الحضارة الإغريقية. وسميت المدرسة الأيونية بهذا الاسم نسبة إلى إقليم أيونية الواقع على شاطئ آسيا الصغرى. وتم تكوينها وتأسيسها في مدينة ملطية خلال القرنين 7و6 ق.م. وقد سمي فلاسفتها بالطبيعيين لبحثهم في أصل الطبيعة والوجود.


وقد ساهمت عدة عوامل في ظهور الفلسفة : منها استفادتهم من ثقافات وعلوم الحضارات الشرقية القديمة كالفرعونية والبابلية. كما ارتبط ظهور الفلسفة بظهور نظام الدولة المدينة كنظام سياسي ديمقراطي عرف جدلا وحوارا وحرية في التعبير، واستخداما للأساليب الحجاجية والبرهانية.


وتقع بلاد اليونان في القارة الأوروبية. وتحدها من الشرق آسيا الصغرى، ومن الغرب إيطاليا. أما في الشمال فنجد مقدونيا، في حين تقع جزيرة كريت في الجنوب.


وواضح أن موقع اليونان الاستراتيجي ساهم في تحضرها وازدهار مدنها؛ فآسيا الصغرى التي توجد شرق اليونان كانت، في الفترة السابقة للفيلسوف اليوناني الكبير أفلاطون، تعرف رواجا تجاريا وصناعيا، وكذلك ازدهارا فكريا و ثقافيا. كما كانت جزيرة كريت التي تتواجد في البحر الأبيض المتوسط جنوب بلاد اليونان تعرف هي الأخرى تحضرا وتمدنا في الألف سنة الثانية قبل المسيح. وهذا الازدهار الحضاري الذي عرفته بلاد اليونان سواء في الشرق أو الجنوب، فضلا عن استعمار أجزاء منها من طرف صقلية وإسبانيا، سيساهم بشكل كبير في تحضر المدن اليونانية نظرا لما عرفته من رواج اقتصادي وازدهار ثقافي.


وقد كانت المدن اليونانية منعزلة عن بعضها البعض بفعل العوامل الطبيعية من تضاريس وبحار، وهو أمر جعل كل مدينة عبارة عن دويلة صغيرة تعيش اكتفاءا ذاتيا، سواء من الناحية الاقتصادية بفعل الأرض الزراعية الخصبة أو من الناحية السياسية والثقافية، إذ عرفت هذه المدن نظما في الحكم وأسلوبا في العيش وأشكالا ثقافية تميزها عن باقي المدن في الولايات الأخرى.


ومن أهم تلك المدن "أثينا" التي تحتل موقعا متميزا في بلاد اليونان، إذ كانت البوابة التي تطل على مدن آسيا الصغرى وعلى حضارة الشرق القديم. وهذا الموقع جعلها تستفيد من علوم الحضارات الشرقية العريقة وثقافاتها وخيراتها الاقتصادية، خصوصا إذا علمنا أن أثينا كانت تتوفر على أسطول بحري كبير حولته فيما بعد إلى أسطول تجاري، سيجعلها في تلاقي ثقافي وتجاري دائم مع الشعوب المجاورة.


ومن بين العوامل التي ساعدت على ظهور التفكير الفلسفي في بلاد اليونان يمكن الإشارة إلى ما يلي:


- إشاعة السلطة السياسية بين الناس: إذ لم تعد حكرا على بعض العائلات، بل أصبح الجميع يساهم في اتخاذ القرارات السياسية التي يتوصل إليها عن طريق قواعد الإشهار والدعاية السياسية والحوار الصريح والنقاش الحر الذي يتأسس على تبادل الحجج ووسائل الإقناع المختلفة.


- إشاعة الثقافة بين الجميع؛ وذلك بفضل انتشار الكتابة الأبجدية التي أتاحت للناس تعلم القراءة والكتابة، والمشاركة في المنتديات الثقافية واللقاءات الأدبية والأنشطة الفنية والمسرحية، التي كانت تعرض في الساحة العمومية أو "الأغورا" أمام أعين الناس.


وهكذا فإن انتشار حرية الرأي وإشاعة ثقافة الحوار ساهم في تطور فكر يتأسس على قواعد الحجاج والاستدلال والبرهان والنقد وحوار المناظرة.... وهي من أهم الخصائص التي يرتكز عليها التفكير الفلسفي.


وعلى العموم يمكن اختصار عوامل نشأة الفلسفة عند اليونان في ما يلي:


- عوامل اقتصادية: عرف المجتمع الإغريقي خلال القرن 7 ق.م تطورا اقتصاديا هاما، تمثل في التحول إلى النشاط التجاري والصناعي بدل الاعتماد على النشاط الرعوي والفلاحي. وقد رافق هذا ظهور العملة النقدية. ومعلوم أن التعامل بالنقود يساعد على تطور الفكر التجريدي بالقياس إلى المقايضة التي ترتكز على ما هو حسي.


- عوامل سياسية : وتتمثل أساسا في الانتقال من حكم النبلاء، أي الأوليغارشية « oligarchia » أو حكم الأقلية، إلى الحكم الديمقراطي الذي تجسد في نظام الدولة المدينة التي عرفت مناخا سياسيا وفكريا سادت فيه حرية التعبير والجدل والحوار، الذي كان يتم أساسا في الساحة العمومية –agora – التي توجد في قلب المدينة – الدولة.


- عوامل ثقافية: تمثلت في ازدهار العلوم الدقيقة كالرياضيات وعلم الفلك، لاسيما أن الفلاسفة الأوائل كانوا علماء أمثال طاليس وفيتاغورس. كما نسجل هنا انتقال الفكر اليوناني من الميثوس mythos إلى اللوغوس logos؛ أي من التفكير القائم على الأسطورة إلى التفكير القائم على العقل. فضلا عن انتشار الكتابة الأبجدية، وإشاعة الثقافة بين عموم الناس؛ وهي كلها عوامل ساعدت على نمو فكر فلسفي قائم على الاستقلال والبرهنة والنقد.

الثلاثاء، 8 أكتوبر 2013

ملخص قيمة الشخص من انجاز ذ محمد الشبة

قيمة الشخص ( محمد الشبة)

ما هو الإشكال الموجود في محور قيمة الشخص؟ كيف يمكن صياغته بدقة؟

لتحديد الإشكال في نظري لا بد من تحديد المفاهيم المكونة له، وهي المفاهيم المكونة لعنوان المحور الذي هو : الشخص بوصفه قيمة.

فالعنوان يتكون من مفهومين أساسيين هما: الشخص والقيمة.

فما معنى الشخص؟ وما معنى القيمة؟

لا بد أن نجيب عن هذين السؤالين لتحديد إشكال المحور بعد ذلك.

والأستاذ مضطر هنا أن يعتمد، كما نفعل دائما، على معاجم فلسفية مشهود لها بالمصداقية والدقة في تحديد المصطلحات. وأعتقد أن المعجم الفلسفي لأندري لالاند هو من بين أشهر المعاجم وأدقها في تحديد المصطلحات، ولذلك سأعتمده في تحديد مفهومي الشخص والقيمة.

فالشخص يدل حسب معجم لالاند على الشخص الطبيعي من حيث هو جسم ومظهر، وعلى الشخص المعنوي من حيث هو ذات واعية، وعلى الشخص القانوني من حيث أن له حقوقا وواجبات.

أما مفهوم القيمة فيدل في معجم لالاند على المعاني التالية:

أ- المعنى الذاتي “القيمة خاصية ثابتة للأشياء التي يفضلها أو يرغب فيها شخص أو مجموعة من الأشخاص المحددين. وفي هذا المعنى تستعمل عبارة “القيمة الاستعمالية”؛

ب - المعنى الموضوعي “القيمة خاصية ثابتة للأشياء التي تستحق التفضيل ..”؛

ج - المعنى الموضوعي الافتراضي “القيمة خاصية ثابتة للأشياء باعتبارها تلبي حاجة لغاية ما”.

هكذا فالقيمة هي خاصية ثابتة؛ ومعنى الثبات هذا سيفيدنا كثيرا في تحديد إشكال المحور.

للقيمة معنى استعمالي؛ أي أنها خاصية ثابتة للأشياء التي لها قيمة لأننا نستعملها لتحقيق أغراض معينة.

للقيمة معنى تفضيلي؛ أي خاصية ثابتة في الشيء تجعلنا نفضله عن غيره من الأشياء.

فالقيمة إذن هي ما يجعل الشيء موضوع رغبة وتفضيل وقابل للاستعمال.

فنحن نعتبر أن أشياء معينة لها قيمة بالنسبة إلينا حينما تمتلك خاصية ثابتة تجعلنا نستعملها لتحقيق أغراض معينة ونرغب فيها ونفضلها عن غيرها. فنحن نعتبر مثلا أن النحل له قيمة لأنه يمتلك خاصية ثابتة فيه تجعله موضوع رغبة بالنسبة إلينا، وهذه الخاصية الثابتة هي إنتاجه للعسل مثلا الذي نستخدمه لتغذية أو الشفاء…الخ.

إن الإنسان إذن هو الذي يحدد للأشياء قيمتها بالنسبة إليه (كالنحل أو البقر أو السيارة…).

ولهذا فالأشياء لها قيمة ثابتة بالنسبة إلينا نحن الأشخاص، أما الشخص فله قيمة ثابتة يستمدها من خاصية تميزه كشخص.

وإذا كان الشخص كما أوردنا تعريفه عند لالاند يتحدد ب:

-ما هو طبيعي باعتباره جسم؛

- وبما هو معنوي باعتباره ذاتا ووعيا،

- وبما هو قانوني باعتبار أن له حقوقا وواجبات،

فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:

ما هي الخاصية الثابتة في الشخص والتي تجعل له قيمة في ذاته؟

نقول في ذاته لأن الأشياء لها قيمة بالنسبة للإنسان، أما الإنسان فله قيمة أصيلة كامنة فيه؛ فهذا ما يميزه عن الأشياء الأخرى إذ لا يمكن أن تكون له قيمة استعمالية أو يكون مجرد وسيلة تستخدمها جهات ما لتحقيق أغراضها.

بعبارة أخرى: ما هي الخاصية الثابتة في الشخص وتجعله ذا قيمة وجديرا بالاحترام والتقدير؟

إذا اتفقنا أن هذا هو الإشكال المتعلق بالمحور، فسيسهل علينا البحث عن مواقف فلسفية تجيب عنه.

وإذا كان كانط صاحب نص مؤسس فيما مجال تحديد قيمة الشخص، وإذا كان يحدد هذه القيمة في كون الشخص ذاتا لعقل أخلاقي عملي؛ أي أن الخاصية الأخلاقية هي ما يمنح للشخص قيمة، وهو ما يجعل الشخص بالتعريف هو كائن أخلاقي، فإنه يتوجب علينا أن نبحث عن موقف آخر يجعل قيمة الشخص خارج مجال الأخلاق، أي موقف لا يعرف الشخص بالضرورة أنه كائن أخلاقي.

ومثل هذا الموقف هو الذي وجدناه عند فيلسوف معاصر كطوم ريغان، حينما يحاور كانط مباشرة ويقول بأن قيمة الشخص تكمن في خاصية ثابتة لدى الكائن البشري وهو كونه ذات تستشعر حياتها وليس في كونه ذات أخلاقية؛ لأن طوم ريغان يرى أن هناك فئات من الناس يقصيهم التحديد الأخلاقي الكانطي ما دامت لا تتوفر فيهم الخاصية الأخلاقية مثل الأطفال والمجرمين والمرضى العقليين…الذين لا يجوز أن نعاملهم كمجرد وسائل ماداموا ليسوا أخلاقيين، بل يجب أن نحترم كرامتهم وقيمتهم الإنسانية الأصيلة التي يتوفرون عليها باعتبارهم كائنات حاسة وتضيف خاصية الوعي إلى الحياة؛ إذ أنهم يعون ما يعتمل في حياتهم من مشاعر وأفكار ورغبات، كما يستمتعون بالنعيم ويتطلعون إلى تحقيق ما هو أفضل بالنسبة إليهم.

فخاصية استشعار الحياة هاته هي خاصية ثابتة ومشتركة بين جميع الأشخاص، وهي التي تمنح لهم قيمة أصيلة فيهم. أما الخاصية الأخلاقية التي تحدث عنها كانط فهي محدودة ولا تشمل جميع الناس.

إذن فطوم ريغان يبين حدود الموقف الكانطي، ويكشف عن الصعوبات والمفارقات التي يطرحها؛ إذ أن نتيجة الموقف الكانطي هي أن كل كائن لا تتوفر فيه الخاصية الأخلاقية يجوز التعامل معه كالأشياء، ويصبح فاقدا للكرامة ولا يعود شخصا. وهذا ما يجعل كانط، وهو المعروف بمثاليته الأخلاقية، يجسد موقفا لا أخلاقيا تجاه هذه الأنواع من الكائنات البشرية التي تفتقد إلى الصفة الأخلاقية.

أما خاصية استشعار الحياة فهي تشمل كل الناس وتجعل لهم قيمة أصيلة في ذاتهم وغير قابلة للمساس.

هكذا فنحن نتحفظ على تحديد الإشكال كما يلي : من أين يستمد الشخص قيمته ؟ هل من اعتباره غاية في ذاته أم من اعتباره نافعا للآخرين ؟ هل قيمة الإنسان مطلقة أم نسبية ؟

لماذا نتحفظ على ذلك؟

لأن مفهوم القيمة يفترض صفة الثبات بالضرورة؛ فما يجعل للشي قيمة هو خاصية ثابتة ومطلقة فيه وليست متغيرة ونسبية.

ولذلك يجب البحث عن هذه القيمة الأصيلة والثابتة التي توجد في الشخص بحكم ماهيته كشخص؛ وهذه القيمة تكون ملازمة فيه وهي التي يحددها مثلا كانط في العقل الأخلاقي ويحددها طوم ريغان في الذات التي تستشعر حياتها؛ فإذا أردت أن تكون لك قيمة الشخص حسب كانط وجب أن تكون ذاتا لعقل أخلاقي عملي، وإذا أردت أن تكون لك قيمة الشخص حسب طوم ريغان وجب أن تكون ذاتا تستشعر حياتها.

أما تحديد الإشكال انطلاقا من: هل قيمة الشخص مطلقة أم نسبية؟ هل الشخص غاية في ذاته أم نافع للآخرين؟

فنحن لا نقبله،لأن القيمة هي أصلا خاصية مطلقة وثابتة في الشخص ونحن فقط نريد من الفلاسفة أن يحددون لنا أين تكمن؟ كما أن معيار المنفعة لا يصلح لتحديد مفهوم القيمة لأنه معيار زئبقي ومتغير؛ يكون معه الشخص ذا قيمة بالنسبة للبعض لأنه نافع لهم، وفاقدا لهذه القيمة بالنسبة للبعض الآخر لأنه غير نافع لهم.

ويبقى في الأخير أن نقر بأن القيمة هي بالتعريف خاصية ثابتة تميز الشخص عن غيره من الكائنات والأشياء، ويبقى علينا أن نبحث مع الفلاسفة أين تكمن هذه القيمة الأصيلة والثابتة المميزة له؟

وموقفي كانط وطوم ريغان يفيان بالغرض فيما يخص الإجابة عن هذا الإشكال، ولذلك فقد استثمرناهما في المحور.

أما غوسدورف فهو بنظرنا لا يخرج في إطار تحديده لقيمة الشخص عن التحديد الكانطي المتمثل في الخاصية الأخلاقية، حتى وإن اختلفا في تصورهما لأساس الأخلاق وطبيعتها.

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : عرب بلوجر