الثلاثاء، 8 أكتوبر 2013

ملخص هوية الشخص


هوية الشخص


يمكن إرجاع التفكير في مفهوم الهوية فلسفيا إلى سقراط، خصوصا وأن هذا الفيلسوف أطلق شعار: "أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك"، معتقدا أن الإنسان يحمل حقيقة كل شيء في ذاتها ويكفيه أن يستبطن ذاته. كما حاول ديكارت، فيما بعد، أن يؤسس لمفهوم الشخص من خلال حقيقة الكوجيتو (أنا أفكر أنا إذن موجود). وذلك ما يبين أن هوية الشخص، في تصور الفيلسوف، قابلة للتحديد في كينونته الواعية والمفكرة.

إن التفكير بهذه الطريقة، قد يجعلنا نعتقد أن هوية الشخص حقيقة يمكن تبينها بشكل ميسر. لكن الواقع أن الأمر ليس بهذه البساطة، فهذا جون لوك J. Locke، مثلا، يرى أن حقيقة الشخص تتمثل في اعتباره ذلك الكائن العاقل المفكر الذكي. والوعي (أو الشعور) هو ما يمكن الشخص من تمثل حقيقة ذاته، علما بأن الوعي والتفكير متلازمان. ومن ثمة، يرى الفيلسوف، أن الرجوع إلى الذات سيظهر للفرد أنه نفس الشخص مهما تغير الزمان والمكان. وسيكون بمقدوره أن يحد نفسه باعتباره تلك الأنا التي تجسد هويته الخاصة. وبالقدر الذي تتجه الذكريات نحو الماضي (الطفولة)، بالقدر الذي تتسع هوية الشخص. واتساع الهوية لا يعني تغيرها لأن الشخص يعي أنه هو نفسه من كان يقوم بتلك الأعمال في الماضي.

ويستبعد جول لاشوليي J. Lachelier أن توجد داخل الشخص أنا ثابتة وقارة. إن الذي يولد لدى الفرد إحساسا بأن له هوية، أو ذاتا مميزة، قابل للاختزال في عاملين: استمرار نفس الطبع، وترابط الذكريات. هكذا يعتقد الشخص أن سلوكياته يحكمها خيط ناظم؛ وأن ما هو عليه اليوم مكمل لما كان عليه في الماضي. ومن ثم، تبدو انطباعاتنا النفسية اليوم تداعيات لحالات ماضية. من هذا المنطلق، يرفض الفيلسوف أن تتحد هوية الشخص في شيء قبلي متأصل في الوعي، لأن الهوية ليست إلا عبارة ذكريات تتداعى ويستدعي بعضها بعضا.

أما شوبنهاور Schopenhauer فينطلق، من رفض كل تصور يربط الهوية بصفات الشخص الجسمية لأنها دائمة التغير. لكنه يرى، في ذات الوقت، أن تقدم السن لا يمنع المرء من الإحساس بأنه نفس الشخص، كما يستطيع الناس أن يتعرفوا عليه بعد أمد طويل. إن ذلك ما يدفع إلى ربط هوية الشخص بالعناصر الثابتة، وذلك ما يدفع الناس إلى الاعتقاد أن الهوية ترتبط بالوعي. إلا أن الفيلسوف يرفض ربط الوعي بالذكرى، لأن المرء لا يتذكر إلا أحداثا مهمة وأساسية، والباقي يطويه النسيان، علاوة على أن عمل الذاكرة قد تشله أمراض أو عوارض أخرى. أما الهوية فتتسم بالاستمرارية، ولذلك لا يمكن أن تحدد في الذات الواعية أو العارفة، لأن الهوية لا تتحدد بشيء آخر غير الإرادة (التي يتمثلها الفيلسوف كشقاء وكشيء في ذاته)..

ويعتبر مونيي Mounier من الفلاسفة الذين يتفقون على أن هوية الشخص لا تتحدد في بعده الجسمي أو في تمظهراته الخارجية. ليؤكد أن الشخص ليس موضوعا: فجسم الشخص، الذي يتجسد فيه وجوده الموضوعي، قابل للمقاربة العلمية الفسيولوجية. وعلى خلاف ذلك، إننا لا نستطيع أن نتمثل إحساس الشخص بجسمه. بل إن الشخص قد يمثل وحدة من كل، ومع ذلك يظل هو هو: حيث يمكن، مثلا، أن يكون أحد الاشتراكيين، أو أحد البرجوازيين، أو أحد الموظفين...، لكننا لا نستطيع أن نقول عن شخص اسمه "برنار شارتيي"، إنه أحد من "برنار شارتيي"، وإنما نقول إنه " برنار شارتيي". كما أن الصور التي نعرفها عن الشخص تساعدنا على الاقتراب منه، إلا أن الشخص يظل بمنأى عنها لأنه ليس شيئا آخر سوى ذاته. فالشخص يظل الموجود الوحيد الذي نستطيع أن نعرفه أو نشكله انطلاقا من دواخله.

إن بعض التقاطعات التي توجد بين التصورات السابقة، لا تؤكد التقاء مطلقا في تحديد هوية الشخص.. ومع ذلك، يظل الشيء المؤكد يتمثل في أن هوية الشخص تظل فيما يمكن أن يميز الإنسان عن الأشياء، وأيضا فيما يمكن أن يميز الفرد عن الآخرين.. وذلك ما يدفع إلى طرح السؤال التالي: فيم تكمن قيمة الشخص؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | تعريب وتطوير : عرب بلوجر